أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

التشابك الاقتصادي:

أسباب عدم فعالية التحالف الأمريكي المناهض للصين

03 مايو، 2021


‎عرض: ياسمين محمود عثمان - باحثة في العلوم السياسية

‎يسعى الرئيس جو بايدن إلى مواجهة الصين من خلال الاعتماد على تنشيط التحالفات والشراكات مرة أخرى في جميع مناطق العالم، حيث عمد خلال أولى أيامه في البيت الأبيض لإعادة تنشيط التحالف مع كلٍّ من كوريا الجنوبية واليابان، والحوار الأمني الرباعي (يضم: الولايات المتحدة، والهند، وأستراليا، واليابان)، في محاولة لردع بكين، ومواجهة تحركاتها في منطقة المحيط الهندي الهادئ من خلال الاعتماد على القدرات العسكرية المشتركة للدول الأعضاء، وهو ما يعتقده البعض أمرًا غير فعال بسبب نقاط ضعف الدول الأعضاء في الرباعية في علاقتهم بالصين، وتعظيم المصالح الاقتصادية التي تربط كل دولة عضو ببكين، ومن ثم لن يتمكنوا من التوافق حول أجندة سياسية موحدة لمواجهتها، واحتوائها، والحد من تحركاتها ونفوذها المتنامي والمهدد لاستقرار المنطقة.

‎وفي هذا الشأن، نشرت مجلة "السياسة الخارجية" مقالًا يحمل عنوان: "لماذا ستفشل محاولات بناء تحالف جديد مناهض للصين؟"، بعددها خريف 2021، بقلم كيشور محبوباني، الذي يبحث فيه عن الأسباب التي من شأنها أن تُفشل مساعي الإدارة الأمريكية الجديدة في بناء تحالف مضاد للصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال الاعتماد على تنشيط الحوار الأمني الرباعي.

فشل محتمل

‎رغم الصعوبة التي تواجه العديد من الدول لقبول حقيقة تنامي القوة الصينية، وعدم القدرة على التكيف مع هذا الأمر، نظرًا للتهديدات المتزايدة التي تشكلها بكين؛ اتجهت الولايات المتحدة، والهند، واليابان، وأستراليا، للتعاون من خلال تأسيس الحوار الأمني الرباعي في محاولة لتقويض النفوذ الصيني المتنامي، إلا أنه -وفقًا للكاتب- لن تنجح مساعي الإدارة الأمريكية لإعادة تنشيط هذا الحوار، ولن يتمكن من تحقيق أهدافه أو تغيير مسار التاريخ الآسيوي، وذلك بسبب تركيز الدول في الحلف على مواجهة بكين من خلال الاعتماد على القوة العسكرية بشكل رئيسي، بينما تكمن "اللعبة الاستراتيجية الكبرى" في آسيا من خلال التركيز على التنافس الاقتصادي. بالإضافة إلى أن الدول الأربع لن تتمكن من التوافق حول سياسات موحدة نظرًا لاختلاف الأهداف، ووجود العديد من نقاط "الضعف الجيوسياسية" لكل دولة في مواجهة الصين.

‎ويشير محبوباني إلى أن لدى أستراليا العديد من نقاط الضعف في مواجهة الصين، حيث تتعرض على وجه التحديد للعديد من المخاطر المنبثقة عن الحزب الشيوعي الصيني، ولا سيما في ظل اعتماد الاقتصاد الأسترالي على بكين بشكل متزايد، إذ تُعد من أكبر الشركاء الاقتصاديين لأستراليا. ففي عامي 2018 و2019، وبينما لم تُصدر أستراليا إلى الولايات المتحدة سوى 5% من إجمالي صادراتها، ذهبت 33% من الصادرات إلى بكين.

‎ومن ثم يشعر الأستراليون بالفخر للقدرة على تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ على مدار ثلاثة عقود على الرغم من أن الفضل في ذلك يرجع إلى الدولة الصينية. وبالتالي، لم يكن من الحكمة أن تخاطر كانبرا بعلاقتها مع بكين من خلال دعوة الدول في النظام الدولي لفتح تحقيق دولي عاجل حول دور الصين في انتشار فيروس كورونا، إذ إنه منذ هذه الواقعة وأستراليا في مأزق، حيث تحاصرها الحكومة الصينية اقتصاديًّا، وتمارس ضغوطًا عنيفة في هذا الإطار كنوع من المعاقبة لجرأتها على معاداة بكين، ولتصبح نموذجًا للدول التي قد تُفكر في معاداتها، ومن ثم بات النظام الدولي بأكمله يراقب المواجهة المحتدمة بين الدولتين للتعرف على النتيجة المحددة مسبقًا. ومن المحتمل في حالة نجاح أستراليا في مواجهة الضغوطات الاقتصادية الصينية أن تُشجع غيرها من الدول من أجل اتخاذ إجراءات وتحركات تهدف إلى "إذلال الصين".

‎وفي هذا الإطار، يعتقد الباحث الأسترالي، هيو وايت، أن مشكلة كانبرا الرئيسية تنصرف إلى امتلاك الصين "معظم الأوراق" الخاصة بها، حيث إن قوة الدولة في العلاقات الدولية تكمن في استطاعة إحدى الدول أن "تفرض تكاليف باهظة على دولة أخرى بتكلفة منخفضة لنفسها"، وهو ما يعتقد أن المسؤولين في الحكومة الأسترالية لا يدركونه بشكل جيد. كما حذر رئيس الوزراء الأسترالي السابق، بول كيتنغ، في نوفمبر 2019، من أن جهود دفع الرباعية للعمل بشكل فعال لن تنجح نظرًا لتحوط الدول الأعضاء بشأن اتخاذ تحركات حازمة في مواجهة الصين واحتوائها. حيث إن الهند -على سبيل المثال- لا تستطيع أن تقف بوجهها بشكل مباشر، ومن ثم هناك شكوك في مدى إمكانية أن تصبح حليفًا هامًا للولايات المتحدة ضد بكين، وتتقارب اليابان معها، لذلك لن تنضم إلى الجهود الرامية لاحتوائها.

‎علاقات متدهورة

‎لا تعتمد اليابان على الصين من الناحية الاقتصادية كأستراليا، ولكن تتمثل نقطة ضعفها الرئيسية في مواجهة بكين في العلاقات الصعبة المتوترة التي تجمعها بجيرانها وهم: الصين، وروسيا، وكوريا الجنوبية، وذلك على عكس كانبرا التي تمتلك علاقات جيدة مع الدول المجاورة لها والأعضاء في رابطة الآسيان. وبالتالي ستجد طوكيو نفسها في موقف يحتم عليها التعامل بذكاء مع جارتها الصينية في محاولة للتكيف مع موقع القوة الجديد الذي باتت تتمتع به بكين، مع التأكيد على تفهمها للمصالح الصينية في محاولة للعودة إلى الحالة التي شكلت العلاقات التاريخية بينهما. فباستثناء النصف الأول من القرن العشرين، سيطر السلام على العلاقات اليابانية الصينية، حيث ظلت الدولتان على اتصال تاريخي لأكثر من 1500 عام.

‎وبناءً على هذا الأساس، تستطيع الدولتان العودة إلى كونهما أصدقاء مرة أخرى، وإن كان تحقيق هذا الاحتمال سيحدث بشكل بطيء وتدريجي بالتزامن مع تحرك الجانبين نحو تطوير استراتيجية جديدة ومؤقتة للتعامل مع بعضهما بعضًا وصولًا لتحقيق التكيُّف، وذلك وفقًا لما قاله الباحث في شؤون شرق آسيا، عزرا فوغل، في عام 2019.

‎وقد تنامت المشاعر المعادية للصين بين الشعب الهندي على مدار السنوات المنصرمة، فبرغم قرب الدولتين من بعضهما بعضًا إلا أن الاتصالات الفعلية تميزت بندرتها نظرًا لعزل البلدين من خلال جبال الهيمالايا، والتي لم يعد من الصعب في الوقت الراهن اختراقها، وهو ما أسهم في زيادة عدد المواجهات والحوادث التي تقع بين الجيشين الصيني والهندي، ومن بينها الحادثة التي وقعت في يونيو 2020. ولذلك من المتوقع أن تستمر العلاقات في التدهور على مدار الأعوام المقبلة، ولكن من المحتمل أن تحافظ الصين على صبرها، لأن العلاقة بين أي دولتين على المدى البعيد لطالما اعتمدت على الحجم النسبي لاقتصاد الدولتين. فقد تمكن الاقتصاد الصيني خلال الفترة ما بين عامي 1980 و2020 من النمو بمعدل خمس مرات أكثر من الهند رغم أن الاقتصادَيْن كانا بنفس الحجم تقريبًا عام 1980.

‎الاقتصاد لمواجهة الصين

‎يتطور في الوقت الحالي نظام اقتصادي ضخم لصالح الصين، وذلك بفضل "الهدية الجيوسياسية" التي قدمتها الولايات المتحدة لها من خلال الانسحاب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ (TPP) في عام 2017، فضلًا عن عدم انضمام الهند إلى الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، ومن ثم من المتوقع أن تتجاوز إجمالي واردات الصين 22 تريليون دولار في العقد المقبل.

‎وقد بلغ حجم سوق سلع التجزئة في الصين في عام 2019 ما يقرب من ستة تريليونات دولار مقارنة بخمسة تريليونات دولار للولايات المتحدة، وذلك مقارنة بتفوق الأخيرة على بكين في عام 2009، حيث بلغ حجم سوق سلع التجزئة 4 تريليونات دولار في واشنطن مقابل 1.8 تريليون دولار لصالح بكين.

‎وعلى غرار الهزيمة التي تعرض لها الاتحاد السوفيتي في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، بفضل السوق الاستهلاكية الأمريكية، فمن المرجح أن يُترك القرار النهائي "للعبة الجيوسياسية الكبيرة" خلال السنوات المقبلة للسوق الاستهلاكية الصينية "الضخمة والمتنامية".

‎ومن هذا المنطلق، أكد الكاتب أن ما سيغير التاريخ الآسيوي ليس التدريبات العسكرية المشتركة للرباعية في المحيط الهندي، ولكن من خلال التركيز على التنافس الاقتصادي، مثل توحيد الجهود في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة على سبيل المثال.

‎وأخيرًا، يوجد عدد من المؤشرات على عدم نجاح تكوين تحالف ضد الصين من خلال الاعتماد على الرباعية بسبب المصالح الاقتصادية للدول الأعضاء، من بينها عدم انضمام دول حليفة قوية للولايات المتحدة، وعلى رأسها كوريا الجنوبية، إلى الرباعية حتى الوقت الحالي.

المصدر:

Kishore Mahbubani, The New Anti-China Alliance Will Fail, Foreign Policy, Spring 2021, p. 11-12.